Friday, February 8, 2008

بدون" ديانة - جريدة المصري اليوم"

بقلم سحر الجعارة ٨/٢/٢٠٠٨
لا يوجد علي وجه الأرض إنسان مضبوط علي كتالوج توقعاتك، حتي التوائم ينسلخون ـ مع النضج ـ من حالة التماثل التي ولدوا بها.
فلنتعلم فن قبول الآخر كما هو، وليس كما نريده، التنوع والاختلاف بين البشر منظومة تغذي بعضها البعض، ولا تصادر أحدا، البشر الذين خلقهم المولي عز وجل طبقات، كما يقول القرآن، تضمهم تلك الطبقات كلوحة فسيفساء: «أشكال مختلفة، وتقاليد متناقضة، والأهم عقائد متنوعة».
قبول هذا التنوع يرتبط ـ عادة ـ بدرجة تحضر المجتمع الذي يحدد مدي تسامحه، وبالتالي فأزمة الطائفة البهائية تجسد تنازل المجتمع عن أهم سماته، مقابل أزمات مفتعلة، تجرم حرية العقيدة في مناخ أشمل لتجريم جميع الحريات.
لقد تابعت تداول قضية الأب البهائي الذي يبحث عن شهادات ميلاد لأولاده ـ وكثيرين غيره ـ لكن أوراق القضية، التي حسمتها المحكمة الإدارية العليا، لم تكن كل همي.. للحقيقة كنت أتابع وسائل الإعلام التي تعاملت معها باعتبارها «فرقعة إعلامية»، ثم صدرتها لتقارير الاتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي.
مع استثناءات معدودة اختارت صف «الحياد» دون أي تعاطف قد يكون مؤثما هو الآخر، لم يكن أينا مؤهلا لتقييم الفكر البهائي، فكل المناقشات كان فيها رفض ضمني، للخروج من عباءة الديانات الثلاث، إلي طقوس وشعائر غريبة، بل مريبة.
لكن الحكم برد بعض الحقوق المدنية لطائفة البهائية، والسماح لهم باستخراج شهادات الميلاد والبطاقات مدرج فيها «بدون» أو «ـ»، هذا الحكم حسم ـ في حيثياته ـ موقف الإسلام من البهائية: (البهائية ليست عقيدة أو دينا، وإنما هي فكر فاسد وهي لا تعترف بهذا الفكر، أو بمن ينتمي لهذه الطائفة).
أما أسباب تحديد عقيدتهم فهو: (للحفاظ علي المجتمع من اندساسهم بين أصحاب الديانات الثلاث المعترف بها)، وبعيدا عن التعليق علي أحكام القضاء، يبدو أن الطائفة البهائية أمام نضال طويل «قضائي ومجتمعي»، حتي يتم السماح لهم بممارسة شعائرهم دون خوف، ويندمجوا في المجتمع دون عنصرية.
القضية التي تم تدويلها لم تصل إلي الفصل الأخير، فهناك أياد مشبوهة تعبث بوحدة هذا البلد، وتشعل فيه نيران الفتنة بحجة حماية الأقليات.
هذا الأمر تحديدا يحتاج سياسة تستوعب وجود أقليات من طوائف ونِحَل غير سماوية، وتمنحها شرعية الوجود، ومساحة في خريطة الوطن.
حتي أصحاب الفكر الفاسد لهم مواثيق دولية تؤمنهم، وتحافظ علي حقوقهم، وتحول دون نصب المشانق العلنية لإعدامهم مدنيا، وإن ظل الخوف قائما من أن يتحول الإعدام المدني إلي اغتيال فعلي علي يد أي مهووس دينيا.
أتصور أن الأخذ باقتراح المجلس القومي لحقوق الإنسان بإلغاء خانة الديانة من الأوراق الرسمية، كان كفيلا بنزع ألغام الفتنة، وتحصين الجميع بغير محاصرة طائفة تم تكفيرها ضمنيا.
«الحرية» بمعناها الأشمل يستحيل ممارستها دون سلام اجتماعي، والسلام الاجتماعي يتطلب نشر ثقافة حقوق الإنسان، وخلق وعي عام بقبول الآخر.
ورغم علمي بأن العقل الجمعي لمصر يناهض الخروج علي الديانات الثلاث، بل إن كل ديانة بداخلها صراعات، إلا أن وأد الفتنة في مهدها مهمة سهلة، تحتاج فقط لضمير قاض وعرض عقلاني ممن يرون أنهم يشكلون «أقلية».
حكم «الإدارية العليا» مرشد، يسجل بدء مرحلة جديدة تبدأ بمراجعة المطالب المشروعة، لأقباط مصر وشيعتها، فعلي الأقل هؤلاء أصحاب ديانات سماوية.
إلي متي ستظل هناك تهم من عينة «التبشير، التنصير، والترويج لأفكار شيعية؟»، إلي متي نرتجف من شبح المد الشيعي، وإعلان أنصار «بهاء الله» عن أنفسهم؟
ستظل الفتنة جاهزة للانفجار في المجتمع المصري، طالما ظلت العقلية الأمنية تضع أسلاكها المكهربة حول «حرية العقيدة»، وهو الأمر الذي لا تمنعه أحكام قضائية.

ادخل على موقع الجريدة

No comments: