Tuesday, February 12, 2008

عن البهائيين:الرقم القومي بمنأي عن الأديان «1-2» - مقالة للدكتورة باسمة جمال - جريدة الأهالي

كتبت الدكتورة باسمة جمال بجريدة الاهالي


لا يتصور أن يعمد القانون أو النظام العام في أي دولة إلي حرمان فئة من شعبها من وجودهم القانوني، بإسقاط حقهم في الحصول علي أوراق الهوية التي يشترط القانون حيازتها لإنجاز المعاملات في مجالات الحياة كافة، ولضمان الأمن لهم في القرار والترحال. ومع ذلك هذا هو وضع البهائيين في مصر اليوم، بعد أن استلزمت مصلحة الأحوال المدنية ذكر الديانة في بطاقات الرقم القومي ورفضت إصدارها للبهائيين بسبب ما يدينون به، وبعد أن أيد القضاء الإداري تفسيرها النابي للقانون، وسعيها لإنجاز أهداف تتعارض مع وظيفتها في الداخل بقدر ما تشوه صورتنا في الخارج. ورغبة في الإحاطة بالنتائج التي أدي إليها إقحام الدين في بيانات الرقم القومي، وفهم الظروف التي أدت إلي موقف مصلحة الأحوال المدنية من البهائيين بنوع الخصوص، لابد من مراجعة مراحل تطور المركز القانوني للبهائيين خلال القرن الماضي كمثال لعدم استقرار وضع أوراق الهوية في مصر بسبب إساءة استغلال الدين. فقد كان هناك اعتراف فعلي بوجود مادي وقانوني لطائفة بهائية في مصر، وتعاملت معها السلطات الرسمية علي هذا الأساس منتصف القرن التاسع عشر إلي ما بعد منتصف القرن العشرين، وذلك بتصريح الدولة للطائفة البهائية بإنشاء مؤسسات دينية تم تسجيل وشهر دستورها ولائحتها الداخلية طبقاً للقانون، والترخيص لها بإقامة مبان مخصصة للعبادة والخدمات الدينية، وتخصيص أرض من أملاك الدولة لدفن موتاها، وتسجيل الديانة البهائية في شهادات ميلاد أفراد الطائفة، واستخراج أوراقهم الثبوتية مبينة لديانتهم الحقيقية. الحد من الحرية لم يخل الأمر أيضاً من ظهور معارضين للبهائية ، ولكن بدون تعد جسيم علي حقوق البهائيين، في ظل روح التسامح والمودة التي جُبل عليها المصريون. ودام هذا الوضع الطبيعي إلي منتصف القرن الماضي حيث اشتدت مطالبة المتزمتين لتدخل الدولة للحدّ من الحرية الدينية للبهائيين، وتعددت مزايداتهم حتي تمكنوا من استصدار القرار الجمهوري بالقانون رقم 362 لسنة 1960 بحل المؤسسات الروحانية للبهائيين وتحذير نشاطها، وتصفية أموالها، وتسليم مقرها الرئيسي بقرار من وزير الداخلية إلي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم، وقيام مباحث أمن الدولة بحصر الصلات العائلية لجميع البهائيين. ثم بُذلت بعد ذلك عدة محاولات فيما بين سنة 1967 و 2001 لاستصدار أحكام جنائية ضد عدد من البهائيين باتهامهم بمخالفة القرار الجمهوري المذكور، وإيداعهم الحبس علي ذمة التحقيق لمدد طالت أحيانا إلي شهور، مع تفتيش منازلهم بدون مبرر ومصادرة كتبهم الدينية. ومع ذلك انتهت جميع هذه المتابعات الجنائية بدون صدور حكم واحد بالإدانة ضد أي مواطن بهائي. ولكن صاحبتها حملات إعلامية مهينة لتشويه سمعة البهائيين، والازدراء من معتقداتهم إرضاء للمتشددين وتبريراً للتعسف في معاملتهم. وتشبث البهائيون في كل هذه المحن التي دامت حتي سنة 2001 بالصبر الجميل، حريصين ألاّ تؤثر تلك السنوات العجاف علي ولائهم للوطن، أو احترامهم للقانون، أو طاعتهم للدولة، ومستعينين بمساندة مواطنيهم الذين تحلّوا بالقيم العريقة التي ميزت هذا الشعب منذ الأزمنة الأولي للحضارة. في هذا العرض المقتضب ما يدعم الاعتقاد بأن موقف مصلحة الاحوال المدنية الحالي لا يعدو كونه استجابة أخري للضغوط المتواصلة. وعلي الرغم من صدور حكم قضائي يعاضد موقف مصلحة الاحوال المدنية علي زعم أن ذكر الدين البهائي في الأوراق الرسمية مخالف للنظام العام، فإن يقيننا لم يتزعزع في أن حرماننا من بطاقات الرقم القومي عقاباً علي تمسكنا بحرية الاعتقاد لا سند له من القانون، ولا يقره النظام العام الذي نؤمن بأنه الدعامة التي تقوم عليها الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في نظامنا القانوني. فلا جدل أن القانون رقم 341 لسنة 1994 لم يشترط ذكر الديانة في بطاقات الرقم القومي أو غيرها من الأوراق الثبوتية، ولكن لائحته التنفيذية التي أعدتها مصلحة الأحوال المدنية هي التي استلزمت الديانة ضمن البيانات الواجب ذكرها في هذه الأوراق، ومن ثم يثور التساؤل عن الغاية التي توختها هذه المصلحة من ذكر الديانة في هذه الأوراق، خاصة أنه لا وجود لقانون يلزم المصريين باعتناق أي دين، ولا وجود لقانون يلزم المواطنين بالإفصاح عن دينهم - إن اختاروا أن يكون لهم دين - أو بحصر الأديان المسموح لهم باعتناقها في ثلاثة. فهل يجوز للائحة تنفيذية أن تفرض علي المواطنين التزاماً لم يرد له ذكر في أي قانون ولا يقره النظام العام؟ والإجابة علي هذا السؤال تفرض علينا إيضاح بعض جوانب نظامنا العام، وهو مفهوم يستخلص من مجموع القواعد القانونية الملزمة علي وجه الجبر والقسر، التي يسنها المشرع لحماية المجتمع مادياً ومعنوياً من العبث بنظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومفهوم النظام العام - في نظر أهل الخبرة - يفترض وجود تنازع بين قاعدتين قانونيتين إحداهما تحمي حقوقاً خاصةً، والأخري تحمي مصلحة عامة علي قدر من الأهمية للمجتمع بحيث تبرر إبطال كل ما يخالفها. فالنظام العام ليس من الغموض بحيث تستبد أي جهة بتحديده بعيداً عن نطاق القانون وإرادة المشرع. ومن ثم يقتضي التحديد الصحيح للنظام العام - وبالتالي مدي لزوم ذكر الديانة علي أوراق الهوية - الإجابة علي ثلاثة أسئلة: أولاً: هل يوجد في مصر تشريع لحقوق الإنسان يحمي حرية اعتقاد الأفراد، ويكون ملزماً لأجهزة الدولة، ومبطل لكل قرار مخالف لمقتضاه؟ ثانياً: هل يمكن أن يتعارض مفهوم النظام العام في مجتمع ديمقراطي مع حقوق الإنسان وحريته في الاعتقاد؟ ثالثا: ما مدي التزام أجهزة الدولة والقضاء في تحديد القواعد القانونية التي يتكون منها النظام العام؟ ضمانات دستورية أما عن السؤال الأول، فلا خلاف في أن مواد الباب الثالث من الدستور الخاصة بالحريات والحقوق والواجبات العامة صريحة في أن «المواطنين لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة». ومؤكدة أن الدولة «تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية». وإضافة إلي هذه الضمانات الدستورية جاءت القواعد القانونية التي نصت عليها اتفاقية »العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية« وصادقت عليها جمهوريتنا بموجب القرار الجمهوري رقم 635 لسنة 1981i، فأصبحت قانوناً ساري المفعول علي أرض مصر عملاً بالمادة (151) من الدستور- جاءت هذه القواعد لتنظم وتطبق المباديء التي ذكرها الدستور. ولا يساورنا الشك في أن المشرع أراد تطبيق هذه القواعد علي وجه القسر والإلزام لأن هذا من طبيعتها ومقتضاها، ولأن هذا أيضاً واضح من صيغتها وعبارتها. ولنسوق علي سبيل المثال ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 81 من القانون الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: «لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره». فمادام القانون لا يجيز التعرض لحرية الفرد في أن لا يكون له دين إطلاقاً أو أن يكون له دين، وحريته في أن يختار لنفسه الدين الذي يؤمن به فلا حق إذاً لمصلحة الأحوال المدنية أن تفرض علي المواطنين أن يكون لكل منهم دين، ولا أن تحدد لهم الأديان المسموح لهم الإيمان بها. وهذه القواعد بدون أدني شك هي الأركان التي يقوم عليها النظام العام في مصر.
ادخل على موقع الجريدة
http://www.al-ahaly.com/articles/08-02-13/1364-opn02.htm
او موقع د/ باسمة جمال
http://basmagm.wordpress.com/

No comments: