Thursday, January 17, 2008

ما يحدث للبهائيين يوصفه القانون على انه ابادة - جريدة البديل


حوار مع :الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض


الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض من موقعه كقاض دولي في المحكمة الجنائية الدولية إلي موقعه كعضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان مرورا بدوره كأستاذ للقانون في الجامعات الأجنبية والمصرية.. وصولا إلي تبنيه لفكرة التمييز الإيجابي لصالح الأقباط في مؤتمر المواطنة الذي عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان والذي رفضه الأقباط أنفسهم.. عن الفكرة والرفض القبطي ودور الدولة وواقع الاقباط كان لنا هذا الحوار معه.

> كثرت أخيراً المؤتمرات التي تتصدي للمواطنة فما الذي حققه المؤتمر الذي عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان بنفس العنوان «المواطنة»؟>

>اعتقد أن أهم ما حققه المؤتمر هو معالجة كل الشكاوي المتزايدة الخاصة بالاقباط.. وبالذات مشاركة اقباط المهجر الذين كانوا أكثر صراحة في التحدث في هذا الشأن.. وقد توليت الموضوع ولم أتحفظ علي الاعتراف بأن هناك تمييزاً واضحاً وغير مقبول تجاه الاقباط.. وذكرت علي سبيل المثال أنه ليس هناك عميد كلية أو مدير جامعة قبطي ونفس الوضع في الكثير من المراكز القيادية الاخري كما تحدثت بوضوح عن انخفاض نسبة التمثيل القبطي في مجلس الشعب مما يعكس مشكلة مزدوجة تتمثل في وجود موقف اجتماعي ورسمي يميز بين المسيحيين والمسلمين.

> أيهما أكثر حدة في رأيك الموقف الاجتماعي أم الموقف الرسمي؟>>

الأكثر حدة هو المجتمع.. مشكلتنا في مجلس حقوق الإنسان أن الظاهرة هو أننا نواجه الدولة.. فالدولة هي التي تضع التشريعات المرتكبة لمخالفات حقوق الإنسان بالتعذيب في السجون وغيرها من الامور التي نتعرض لها في تقاريرنا.. لكن لو تعمق الإنسان سيجد أن المجتمع نفسه يهدر حقوق الإنسان من الميلاد حتي الوفاة ليس في مسألة التمييز الديني فقط ويكفي علي ذلك الصعيد القيود والتحفظات الفكرية علي الفكر والتعبير.. وهو ما لا يصدر من رجال الدين فقط وإنما يأتي أيضاً من قاع المجتمع ورجل الشارع.

> ذكرت أن اقباط المهجر كانوا أكثر جرأة في الحديث عن مشاكل الاقباط في مؤتمر المواطنة من اقباط الداخل.. ما السبب وراء ذلك في رأيك؟

>>هم يقولون إنهم اضطروا للخروج من البلاد وأن كلاً منهم حقق نفسه في الخارج ولأنهم في الخارج فهم أكثر جرأه علي الكلام بصراحة.>ألا يحسب ذلك علي الدولة؟>

>أنا اشرح لك فقط هذه المفارقة وقيميها كيفما يتراءي لك.. الواقع أن كثيراً من الاقباط يرون أنهم ما داموا في مصر فهم مضطرون للسكوت.>

عند تحدث اقباط المهجر في المؤتمر بصراحة عن التمييز بحق المسيحيين هل حرك ذلك مسيحيي الداخل للتحرر والحديث عن مشاكلهم؟

>>نعم بدأ مسيحيو الداخل يتحدثون بنفس صراحة اقباط المهجر.. وكان رد الفعل علي هذه الصراحة ممثلاً في نفس الجلسة حيث قام احد المتطرفين وقال «الاقباط بيشتكوا من إيه، ده في إيدهم 30% من اقتصاد البلد.> هناك تصور في المجتمع انه مادام هناك اقباط اثرياء فإن كل الاقباط اثرياء بالرغم من انه وعلي الجانب الآخر هناك أيضاً اثرياء مسلمون رغم أن غالبية المسلمين فقراء.. فما تفسيرك لمثل هذا التصور؟>>بنشر مثل هذا الكلام كله من المتزمتين والمتطرفين الذين قسموا المصريين إلي نحن مسلمون و«هم» مسيحيون مثل هذا التقسيم نسف كل شيء.. واصحاب هذا الكلام هم الذين كانوا معترضين أصلا علي التطرق لمشاكل الاقباط وعلي حضور اقباط المهجر.. بينما الاخيرون انفسهم كانوا معترضين علي اطلاق هذه التسمية عليهم مفضلين عليها المصريين في المهجر.>

لماذا دعوتم أقباط المهجر رغم أن المؤتمر في الداخل.. هل لأنهم أكثر صراحة؟!>

>ليس لدي إجابة علي هذا السؤال.. لكن في رأيي أن دعوتهم جاءت متأخرة لأننا نطالب الآن بأن يصبح هناك صوت للمصريين في الخارج سواء كانوا أقباطاً أم لا.. وأن يشاركوا في الحياة السياسية والاقتصادية لوطنهم.. من هنا كانت دعوة أقباط المهجر للمشاركة في المؤتمر طبيعية خاصة أنهم يمتلكون صوتاً نافذاً ومسموعاً.>

لكن الملاحظ أن دعوتكم لهم قد واكبت الهجوم الشرس عليهم من جانب بعض الصحف المعروفة بأنها صوت لبعض الأجهزة في الدولة؟>

>دعوتنا كانت فرصة للتوافق.. ولا أظن أن تواكبها مع ما ذكرته من هجوم كان مقصودا وانما كانت مصادفة سعيدة ومفيدة. لكن المجلس ممثلا في شخص رئيسه الدكتور بطرس غالي كان حريصا علي سماع وجهة نظر أقباط المهجر بعد أن كان المجلس يتلقي شكاواهم ويعاني حقيقة في الرد عليها.. علي هذا الأساس وجهت الدعوة لمن لديهم صوت مسموع ومستاء.>

سبق أن قلت إن المجتمع أكثر حدة في تمييزه.. ألا تري أيضا أن هناك تواطؤاً من الدولة في هذا التمييز؟>

>هذا يجرنا إلي افتراضي الذي قدمته في المؤتمر والخاص بالتمييز الايجابي فيما يخص الأقباط وأن تعامل حقوق الأقباط كحقوق المرأة.. وقد كنت من المدافعين عن حقوق المرأة واشتركت في تعديل أهم قانون يتناول أحد حقوقها وهو الخاص بأحقيتها في نقل جنسيتها لأبنائها.من هنا أري إخضاع الأقباط لنوع من التمييز الايجابي لأن الانتخابات الأخيرة أثبتت بلا أدني شك أن المجتمع ليس مستعدا لإعطاء المرأة أو الأقباط حقهم.. ليس لأنهم أقليات كما اعترض بعض الأقباط علي الفكرة عند طرحها وقال لي «نحن لسنا أقلية».. فالمرأة تشكل نصف المجتمع وإنما لأن هناك نوعاً من التحفظ الفكري علي أنهم غير فاعلين.. وفي رأيي أن الدولة لا تميز ضد هذه الفئات قصدا وإنما هي تستجيب فقط لإحساس قاع المجتمع بدلا من أن ترفعه فكرياً وتهيئه للمساواة والمواطنة.>

لماذا رفض بعض الأقباط هذه «الكوتة» أو هذا التمييز الإيجابي في رأيك.>

>أعتقد أنهم رفضوه حفاظا علي مكانتهم الأصلية في المجتمع المصري ورفضا لفكرة قولبتهم في قالب الأقلية الطائفية.. لكنني مازلت أري أن الواقع يفرض نفسه فلابد من فترة انتقال تطبق فيها «الكوتة» إلي أن تصل إلي المواطنة الكاملة.. وقد حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بحقوق المرأة والزنوج لعدم استعداد المجتمع - في ذلك الوقت - لقبول مواطنتهم الكاملة.. ولابد في هذا الصدد من وضع توقيت نهائي للتمييز الايجابي حتي لا ينتقل إلي نقيض للمساواة.. وللعلم هذه ليست فكرتي وحدي هي أيضا كانت فكرة الدكتور «محمود عزمي» وهو أبو حقوق الانسان في مصر والذي شارك في وضع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الانسان.>

قلت إن المشكلة تكمن في التحفظات الذهنية علي المشاركة الكاملة للأقباط لدي المجتمع نفسه.. فما الذي خلق مثل هذه التحفظات؟

>>باعتباري كنت طفلاً وطالباً قبل الثورة وعشت بعدها يمكن أن أقول إن ذلك بدأ مع بداية الثورة.. فقبل ذلك كان يمكن أن تجد بسهولة عميداً قبطياً ورأيت وزراء أقباطاً بل ويهوداً فلم يكن التمييز ضد الأقليات مستحكما بهذا الشكل الموجود الآن في نفوس الشعب.. كنت تجدين في العباسية مسلمين وأقباط ويهوداً وأرمن يعيشون في عمارة واحدة في تعايش وقبول حقيقي بل كان هناك تزاوج بينهم أما اليوم فعندما يقع تزاوج بين عائلة مسيحية وأخري مسلمة نجد محزنة عند العائلتين وعندما أسأل الأقباط لماذا يغضبون من زواج المسيحية والمسلم يجيبون عادة بأنهم سيفقدون ابن الابنة لأنه سيصبح مسلماً.. المشكلة هنا أن الفلسفة التي باتت تحكم كل الأمور هي فلسفة «نحن» و«هم» وفي احساس أن هذا هو ما يجب القضاء عليه بداية من البطاقة الشخصية.

> هل معني هذا أنك تري أن إلغاء خانة الديانة في البطاقة سيحدث أثراً ايجابيا في مسألة الانقسام الطائفي؟

>>نعم سيكون لهذه الخطوة رد فعل إيجابي جداً.. لكن هناك من يرفضها بزعم اتمام النواحي القانونية وهو ما يمكن مواجهته بسهولة بعمل بطاقة في سجل الميلاد توضح ما إذا كان الشخص مسيحياً أم مسلماً أرثوذكسياً أم كاثوليكياً.. وقد أثار هذه المشكلة أيضا البهائيون في مجلس حقوق الانسان الدولي في جنيف هذا العام.. طرحوا مشكلتهم وكنت «في نصف هدومي من الإحراج الذي سببه ذلك لي.. فقد ذكروا كيف أفضي التعسف معهم إلي القضاء علي وجودهم القانوني.. وهو بلاشك شكل من أشكال التنكيل وله مسمي قانوني لا أريد أن أذكره.> ما هذا المسمي القانوني.. تردد قليلا فألححت عليه فنطقها وهو يغالب تردده.>

>إبادة.. فهذا التعسف انعكس في حرمانهم من الوثائق الرسمية لإثبات الشخصية من أجل التعليم والعمل والسكن وحتي الدفن!!>

بمناسبة طرح البهائيين في مصر لمشكلتهم في مجلس حقوق الانسان الدولي هناك من يطرح فكرة أن يلجأ الأقباط لتدويل قضيتهم فما هو رأيك في هذا؟>

>عندما يضغط الناس تستفز الدولة.. وهذا يحدث في أي دولة حتي أمريكا.. ورغم أنه لم يعد هناك شيء يعتبر شأنا داخليا.. وقد مررت بأول تجربة في هذا الشأن كقاض بالمحكمة الدولية للحكم في جرائم الحرب وقد وقعت هذه الجرائم في عقر دار دولة كبري وهي يوغسلافيا وهي الجرائم التي ارتكبت من الصرب ضد مسلمي البوسنة.. وقد كان الرد الأول.. «ليس لكم دخل «نحن داخل دولتنا» ولكن هذا رفض لأن هناك الآن ما يعد جرائم ضد الإنسانية وهو المبدأ الذي استقر في القانون الدولي ومن ثم لا يمكن لدولة أن تدعي أنها حرة في أن تفعل ما تريد وقد يصل الأمر إلي أن يقتحم المجتمع الدولي أي دولة تتهم بارتكاب هذه الجرائم وهو ما حدث بعد ذلك في «رواندا» حين دخلت جيوش الأمم المتحدة لحماية الأفراد.. الآن حقوق الإنسان تتخطي حقوق الدول والتاريخ يسير في هذا الاتجاه. لكنني كمصري أستاء جدا من قدوم الحل من الخارج.. لكن لا مفر منه إذا حدثت مخالفات وإهدار لآدمية الإنسان. بالنسبة لمصر لدينا مشكلة اجتماعية ولم تصل للدرجة التي تسمح للمجتمع الدولي بالتدخل.. لكن يمكن أن تؤدي إلي ضغوط.. مثل هذا التمييز اليومي يتم التعامل معه بضغوط وتلك الضغوط احيانا ما تؤدي إلي عكس النتيجة المرجوة.>

ألا تري أن الدولة قد لعبت في الفترة الأخيرة دورا في استعداء المجتمع ضد الأقباط لشعورها بمثل هذا الضغط سواء من الكنيسة أو من أقباط المهجر.. فنجد خطاباً يتردد عمدا عبر بعض الصحف القومية وبعض الصحف الخاصة المعروفة بولائها لجهات سيادية يركز علي تمتع الأقباط بالثروة أو يتساءل ما الذي يريده الأقباط مما يدفع نحو مزيد من الكراهية تجاه الأقباط؟!>

>لا أستطيع أن أقول سوي إن الدولة كانت سلبية وهو ما يحزنني.. فلكي تقوم الدولة بدور إيجابي تكون وسيلتها الأولي الإعلام.. لكن الدولة تركت الإعلام للتطرف كالخطباء المتزمتين والكتاب الذين يكفرون الأقباط بينما أي كتاب يكتبه مفكر متنور يمنع من السوق ثانيا التعليم.. ونحن في المجلس القومي لحقوق الإنسان ندرس الكتب المدرسية منذ سنوات وقد وجدنا بها كثيراً من الدعوة للتمييز المستتر ضد المرأة وضد الأقباط.>

هل تري في هذا سلبية من الدولة أم أنه مغازلة لاتجاه الإسلام السياسي الذي صار يحكم الشارع المصري بأفكاره؟>

>أنت هنا تربطين الاثنين معا.. وأنا لا أستطيع أن أجاوب علي هذا السؤال.. لكنني يمكن أن أفسره بأنه يمكن أن يكون عدم تنبؤ بخطورة الأمر. لكنني لا أنكر علي الإطلاق أن الواقع فيه تمييز فمثلا الكتب الدراسية لا يوجد بها التاريخ القبطي وحتي الفن من يراه الآن لا يعرف أن مصر بها أقباط.. هناك سلبية أدت إلي غيبوبة.>

هل تعده سلبية أم سوء نية أم اختراق للدولة من جانب تيار الإسلام السياسي؟>

>لم يأت الاختراق بعد لأنه لو أتي سيكون خطرا محققا.. وهو ما تحاربه الدولة.. لكنها لا تفعل ذلك عن طريق التوعية بل تفعله عن طريق السياسة وتفضل الوعي الاجتماعي لأن الوعي بحقوق الإنسان اخطر من عدم وجود قانون.. هناك بلاد لا يوجد بها قانون ولكن بها وعي كاف.. إذا استطعنا أن نخرج من هذه الغيبوبة بتنمية الوعي ومراجعة الكتب الدراسية ومنع كل ما يتضمن تمييزا بل وتغييبا وهي المرحلة الأولي التي كانت علي الدولة، المرحلة الثانية كانت في ترك العنان للإعلام الذي يريد جذب الجمهور بأن تأتي شخصيات تلقي قبولا لدي الأغلبية المطلقة بصرف النظر عما تحدثه من تدمير علي المجتمع الذي يعاني من هذا التمييز في قرارة نفسه أن يجد لزاما عليه أن يقبل الآخر ولو أني لا أريد تسميته بالآخر لأنه في الواقع ليس آخر. وهنا الأمر يتطلب شجاعة المواجهة وهذا هو دور مؤسسة الدولة.>

هل الدولة بوضعها وظروفها الصعبة الحالية سواء اقتصاديا أو سياسيا لديها مثل هذه القدرة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي التي تعمل بانتظام منذ سنوات طويلة واستطاعت أن تحقق جزءاً كبيراً من الهدف؟>

>أنا لا أستطيع الإجابة علي هذا السؤال لأنني لست رجل سياسة.. أنا أري كما يري رجل السياسة بطرس غالي أن ننتهج طريق السياسة وأن تتم الأمور بالتفاهم.. من هنا أري أن لزاما علي أقباط المهجر ألا يقفوا موقفا عدائيا لأنه استفزازي وهو ما كان الهدف من وراء مؤتمر المواطنة لان شكاواهم يستمع لها العالم لكن هذه الشكوي توحي بأنهم يستعدون الغرب علينا مما يقوي موقف المتطرفين.>

أليس جزء كبير من قوة أقباط المهجر وليدة لتجاهل الدولة شكاوي أقباط الداخل؟>

>لي صديقة اسمها ماري بولس حنا وهي أستاذة بالجامعة الأمريكية سألوها في النيوزويك هل الأقباط في مصر مواطنون من الدرجة الثانية.. قالت لهم كل المصريين مواطنون من الدرجة الثانية باستثناء الطبقة الحاكم.. ليس هناك فارق بين «أحمد زويل» الذي اضطر أن يهاجر وبين «مجدي يعقوب».>

ألا تجد أن الوضع بالنسبة للأقباط مزدوج حيث يعانون مما يعانيه المصريون جميعا إلي جانب التمييز ضدهم لأنهم مسيحيون؟!>

>كلامك منطقبا سليم.. لكنني لا أريد أن أقول إن الأقباط مضطهدون أنا أريد أن أقول إنهم لا يحصلون علي الحقوق التي يستحقونها.>

ألا يعد اضطهادا أن يسير المواطن في بلده ليستمع إلي من يسبه في الميكروفونات؟>

>هذا هو دور الدولة.. لأنني لا أستطيع أن أمنع بذاءة البذيء لكنني لا أعطيه ميكروفوناً فهذا تلوث وتلوث المخ يقضي علي المجتمع.. فقد اعتدت في الريف إلي الاستماع إلي خطيب الجمعة وهو يسب النساء فيخرج الفلاحون الطيبون «يرجع يضرب مراته» وحرق الكنائس يحدث يوم الجمعة وهذا يحتاج إلي موقف حاسم لأن هذه فتنة.. وأنا رجل قانون واعتبر أن الاتهام بالكفر يعد تحريضا علي القتل والدليل علي ذلك ما حدث لفرج فودة من اغتيال ونجيب محفوظ من محاولة للاغتيال بناء علي اتهام البعض لهم في كتاباتهم بالكفر، لأننا في مجتمع مصاب بمرض التعصب الأعمي، فما بالك إذا ما وجه هذا الاتهام للاقباط من كاتب، وضمنه في كتابه كما حدث أخيرا.

> هل تقصد الدكتور محمد عمارة؟>

>لا أريد أن اسمي اسماء أنا أتحدث عن المواقف والأفكار.>

ما هي أهم الإجراءات العملية والقانونية التي يمكن أن تتخذها الدولة الآن للتصدي لحالة الاحتقان الطائفي في الشارع المصري؟>

> يجب أن نعترف بداية أن الواقع واضح وقد حدثت الفرقة الدينية كاملة نتيجة للسياسات الخطأ.. ودورنا الآن البحث عن حلول هناك حلول طويلة الأمد، لكن هناك إجراءات قانونية وعملية تحتاج لمواجهة سريعة، فمن أهم المشاكل التي تسبب الحزازات مشكلة تغيير الدين لمنافع شخصية علي الجانبين، قبطي للزواج أو مسلم للهجرة لذلكسبق أن تقدمت مع الأستاذ الدكتور هشام علي صادق بمشروع قانون لا يبيح تغيير الدين إلا عن طريق القضاء حتي يتبين القضاء أنه لا إكراه ولا رشوة.. تغيير الاسم يتم في المحكمة فهل يتم تغيير الدين بعيدا عنها؟> هل من المنطقي أن تترك الدولة حتي اليوم ملفاً كهذا شديد الخطورة في يد الأمن؟ وهل تريد الدولة أن تغير ثقافة مجتمع أم أنها تريد حل مشكلتها هي فقط؟>

> الدولة أنا أشبهها بالأب البدائي الذي كل ما يعرفه في تربية أولاده هو أن يضربهم بالعصا ولا يدرك أن هناك أعماقاً كثيرة يجب أن يصل لها، مثل هذا الأسلوب السطحي يؤدي إلي زيادة المشاكل اللجوء لسلاح الأمن يجب أن يكون موجودا لكنه ليس هو العلاج، الموضوع في الأصل اجتماعي وهذا هو الأخطر من موقف الدولة والدولة لم توجهه لكنها تركته ينمو بسلبيتها وبعدم اتخاذ منهج التمييز الإيجابي وهو ما كان يجب إعماله بدون نص قانوني وهذا كان يمكنه أن يحل مشاكل كثيرة.وهنا لا يقتصر الأمر علي التمييز الإيجابي بل يتعداه إلي فكرة احترام نسبة وجود الأقباط في مصر دون نص قانوني.. لا أدري، ربما يكون هذا نوعاً من رد الفعل، أنا أتذكر في طفولتي في ظل الاحتلال الإنجليزي أن نسبة وجود الأقباط في المراكز الهامة كانت عالية فكان هناك إحساس بأن الأقباط «واخدين أكثر من حقهم» وهو ما حدث أيضا في لبنان في وقت الاستعمار الفرنسي وهي آلية متكررة للمستعمر في الاستفادة من الأقلية لذا أعتقد أن ما حدث رد فعل نفسي بعد ذلك، والدليل علي ذلك أن موجة انسحاب الأقباط من الحياة العامة بدأت بعد انتهاء الاستعمار تماما، من بداية الثورة بدأ الانسحاب في هذا الوقت ما حدث لم يكن اختراقاً لكنه كان رد فعل إننا نفعل عكس ما كان معمولا به، لذلك فأنا أري أن القضاء علي التمييز ضد الأقباط سوف يعيد العمل بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، علي الأقل هذه النسبة من وجود الأقباط التي لا تدري حتي الآن ما هي نسبتها الفعلية سوف تكون هناك فرصة للاستفادة منهم لصالح البلد، وتكفل إسهامهم، وهو ما كان يجب أن تسمح به الدولة طوال الفترة الماضية، وهو ما يمكن أن يحد بقدر كبير من هروب الكفاءات، حيث سيشعرون أن لهم مكاناً في البلد وأنهم سيقبلون رغم أن الوعي العام ليس جاهزا بعد.. فلو أن الوعي العام جاهز لانتخبوا في البرلمان وأنا هنا لا أرد الحق لأصحابه فقط لكنني أبحث عن نهضة البلد، لأن البلد حرم من كفاءات لأسباب غير موضوعية، هذه الكفاءات موجودة ولكن لأن الوعي الجماعي لا يعترف بوجودهم انعزلوا لذلك إعادتهم تحتاج إلي فترة انتقال تنتهي باستيعاب الوعي الجماعي لهم وهو نفس ما فكرنا به بالنسبة للمرأة.. أما مشكلة أن هذا يعني أنهم أقلية وهو ما يطرحه الأقباط غير وارد بالمرة وهذا له صلة بالوعي الاجتماعي الذي يجب تصحيحه وبمسئولية الدولة التي قامت بدور سلبي خضعوا للإحساس العام.>

وماذا عن تيارات الإسلام السياسي؟

>>الدولة تحاربهم لكنها لا تريد أن تغضبهم لأنها تدرك أن بعضاً من مواقفهم يلقي تأييدا شعبيا وهي لا تريد أن يكون الرأي العام للأغلبية ضدها، لذلك فالدولة في حيرة والحقيقة أن الدولة التي تستطيع أن تفرض علي الرأي العام موقفاً معينا يجب أن تكون قوية جدا ومثال علي ذلك ما فعله ديجول عندما فرض علي الشعب الفرنسي تحرير الجزائر وهو ما لم يستطع أن يفعله أي رئيس آخر.وهنا يجب أن أقول إن العائق أمام التمييز الإيجابي لصالح الأقباط يكمن في أن تري الدولة أنه لا يلقي قبولا من الرأي العام فلا تؤيده أو لا تنفذه، لكن لو الدولة مطمئنة لقوتها ستفرض هذا. نحن لدينا وعي جماعي مليء بالتحفظات الذهنية.لذلك لا حل الآن إلا التمييز الإيجابي ولا تفرضه سوي الدولة القوية


ادخل على موقع الجريدة

No comments: