Friday, February 29, 2008

الادب والدين

الادب شعور وايمان، كذلك الدين شعور وايمان،فالعلاقة بين الدين والأدب علاقة حميمة لأن للدين طبيعة الشعر فكلاهما ينبع من جوهر النفس البشري. فالايمان مصدره القلب والشعور تماماً كما هو الحال مع الشعر والأدب. فالدين والأدب يهدفان الى قيم معنوية ومُثل انسانية عليا، وحقائق روحية ثابتة. وبصورة عامة فالفن الأصيل يتصل في اساسه بالدين وفي رحابه السمحة يترعرع، كما ان الوحي الالهي يدفع الانسان الى الايمان وطلب الخلود وتوخي الحقيقة

في الاديان كلها جوهر وتقليد، فالجوهر ثابت، تتمثل فيه المثل الانسانية العليا والفضائل الاسمى، وبهذا الجوهر تتحد الاديان وتجتمع على أمر واحد هو أن الاديان كلها دين واحد وهدفها الوحدة والاتحاد لجميع البشر. أما التقليد فمتغير يختلف باختلاف العصر والبيئة يتوارثه الأبناء عن الآباء عادات وقوانين. وبالمثل فان الشعر العظيم في أي لغة كُتب جوهره واحد يحثُ على الفضائل ويسعى الى تحقيق أسمى الأخلاق:
ولولا خلالُ سنّها الشعرُ مادرى ..... بناةُ العلا من أين تُؤتَى المكارمُ - أبو تمام

فالشعراء العظام بدون استثناء يؤمنون بوحدة الكون وبمبدع خلق الأكوان، ولعل رسالة الشعر الحقيقية هي أن ينشد أغنية الحياة حمداً وثناءً لله مبدع الاشياء.

فالشاعر والأديب في عصرنا – كما هو الحال معه في كل عصر من عصور التاريخ – عليه أن يكون باعثاً للمتعة الروحية بكل معنى الكلمة، وليس فقط واعظاً اجتماعياً أو معبراً عن مثل سياسية آنية. فالأديب الأصيل يسمو بقارئه الى عالم روحي بعيد عن الواقع، ولكن في الوقت نفسه يهتم بقضايا زمانه واحتياجات عصره. فلن يفوته مثلاً ملاحظة أن الدين – وخاصة الايمان – اضعف اليوم مما كان عليه في عصور سابقة من عصور التاريخ الانساني، وأن العديد من أطفال العالم اليوم ينمون في عالم فقد معنى الايمان الحقيقي بالله. ويُلاحظ أيضا ان اجيالنا المعاصرة تنمو في عالم فقد معاني الخير والشر، ومعنى العقاب والثواب، وانعدم فيه الايمان بخلود الروح وبقائها، وانتفى فيه الايمان بجدوى الاخلاق وضرورتها في الحياة. والاديب الأصيل لا يمكنه تجاهل الحقيقة المؤلمة في عالمنا المعاصر والمتمثلة في زوال القاعدة الروحية للعائلة وبالتالي انهيار الصرح العائلي نفسه. وقد نتج عن هذه المحنة الروحية والاخلاقية لدى الانسان المعاصر خيبة أمل عظمى في معاني الحياة، تفاقمت منذ الحرب العالمية الثانية رغم كل الانجازات العلمية والتقنية التي ابدعها الانسان في نصف القرن الأخير، فبات يشعر بوحدة قاتلة واكتئاب أليم ويساوره شعور بالنقص والتشاؤم، ويرزح تحت كابوس مرعب يكمن في احساسه بأنه مهدد دائماً بالحروب والثورات واعمال الارهاب.

ولم يفقد الانسان المعاصر الايمان بالعناية الالهية فحسب، بل فقد ايمانه بالانسان نفسه وبمؤسساته وماتمثله هذه المؤسسات من قيم حضارية. وبالتالي فقد ثقته في اولئك الذين هم أقرب الناس اليه. وفي غمرة هذا اليأس يتوجه العديد ممن فقدوا الثقة في أولي الأمر وأولئل الذين يقودون المجتمع – يتوجه العديد من هؤلاء – الى الأديب صاحب الكلمة، يحدوهم الأمل في أن يتمكن الانسان الموهوب والحساس من انقاذ الحضارة الانسانية، وكأنما قبس النبوة والايمان يكمن في قلب الأديب وفي الكلمة شعراً كانت ام نثراً. فالكلمة هي الدين والأدب في آن معاً، وأسمى أنواع الأدب وأروعه هو الأدب الديني لدى أي شعب من شعوب العالم.

وكلما اشتدت حلكة الظلام، واستحال علينا ايجاد طريق للخلاص، يبزغ أمل جديد وينبثق نور كلمة جديدة يؤكد لنا ان الوقت لم يفتنا جميعاً، فيحثنا ذلك على التمسك بخيوط الأمل، ويفرض علينا أن نأخذ كل شئ بعين الاعتبار لنصل الى طريق تقودنا الى الخلاص. فالايمان بقوة الاختيار لا يمنع ابداً قبول مبدأ ان الكون خلق ليحقق غاية سامية، ولا يمكن للعاقل الحصيف قبول مبدأ ان الكون جاء صدفة من صدف الطبيعة او الكمياء او انه جاء نتيجة تطور جيوفيزيقي أعمى. اذ لابد لنا جميعاً ان نعترف ببعض الحقائق الروحية الثابتة رغم كل ماصدقناه من كذبٍ وكلام اجوف، وكل ما اقامه العقل البشري من اصنام افسدته وغررت به. كما انه لابد وأن هناك وسيلة للانسان لكي يتمتع بكل ما حباه الله من متع الدنيا ولذاتها، ويغترف من ثمار المعرفة التي تغدقها عليه الطبيعة، دون ان يكون ذلك على حساب ايمانه بالله جل جلاله او القيام على خدمته وعبادته – لأن الله يتحدث بالافعال لا بالاقوال وما الكون الا حروفه وكلماته

والأدب الأصيل قادر على خلق آفاق جديدة ومنظور جديد في الفلسفة والدين والجمال والاجتماع. فقد حوى الادب العربي قديمه وحديثه قيماً روحيةً جمعت ملامح النبوة واصالة الشعر، وسنت القوانين ورسمت مناهج للسلوك والحياة. فالأدب الأصيل، متشائماً كان أم متفائلاً، يمثل انتصاراً على كل ما يهدد الانسان من معاني العبودية والفناء – فالكلمة باقية ازلية مستمدة من طبيعة الخالق وجوهره، بدونها تنعدم الاشياء كلها وتفقد الممكنات أسماءها والكائنات صفاتها. ويخلق الأدب الأصيل المتعة الروحية ويكشف لنا أيضاً عن حقائق ازلية وعن جوهر الوجود بأسلوبه وطريقته الخاصة، ويسعى نحو حل ألغاز الزمن والتحول، ويستقصي اسباب المعاناة، ويكتشف المحبة في غياهب الظلم والطغيان. وكلما انهارت النظريات الاجتماعية وتركت الحروب والثورات الانسانية في ظلام دامس، يبعث الله رسولاً لينقذنا جميعاً ويعلمنا طريق الخلاص

:يتفضل حضرة بهاء الله عن الدين ودوره في تطوير المجتمع الانساني وازدهاره

" زَيِّنُوا هَيَاكِلَكُمْ بِطِرَازِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ ثُمَّ انْصُرُوا رَبَّكُمْ بِجُنُودِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ"

*****

فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِحِفْظِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِم إِذْ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ تَأْمُرُ النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُم عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَوْ احْتَجَبَ سِرَاجُ الدِّينِ لَتَطَرَّقَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ وَامْتَنَعَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ عَنِ الإِشْرَاقِ وَشَمْسُ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ عَنِ الإِنْوَارِ. شَهِدَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ خَبِيرٍ

*****

إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ قَدْ نُزِّلَ وَظَهَرَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ لِمَحْضِ اتِّحَادِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الاخْتِلاَفِ وَالنِّفَاقِ. وَلَمْ يَزَلِ الدِّينُ الإِلَهِيُّ وَالشَّرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّبَبَ الأَعْظَمَ وَالْوَسِيلَةَ الْكُبْرَى لِظُهُورِ نَيِّرِ الاتِّحَادِ وَإِشْرَاقِهِ.وَنُمُوُّ الْعَالَمِ وَتَرْبِيَةُ الأُمَمِ وَاطْمِئْنَانُ الْعِبَادِ وَرَاحَةُ مَنْ فِي الْبِلاَدِ مَنُوطٌ بِالأُصُولِ وَالأَحْكَامِ الإِلَهِيَّةِ

*****

" يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ دِينَ اللهِ وُجِدَ مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الْعَدَاوَةِ وَالاخْتِلاَفِ"

*****

إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى فِي هَذَا الْحِينِ يَنْصَحُ مَظَاهِرَ الْقُدْرَةِ وَمَشَارِقَ الاقْتِدَارِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ وَالرُّؤَسَآءِ وَالأُمَرَآءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُرَفَآءِ وَيُوصِيهِمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ. إِذْ هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَاطْمِئْنَانِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. فَإِنَّ ضَعْفَ أَرْكَانِ الدِّينِ صَارَ سَبَبَاً لِقُوَّةِ الْجُهَّالِ وَجُرْأَتِهِمْ وَجَسَارَتِهِمْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ عُلُوِّ مَقَامِ الدِّينِ يَزْدَادُ مِنْ غَفْلَةِ الأَشْرَارِ وَيَؤُولُ الأَمْرُ أَخِيرَاً إِلَى الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ. اسْمَعُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ثُمَّ اعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ

No comments: