Friday, February 22, 2008

عن البهائيين:الرقم القومي بمنأي عن الأديان «2-2» - مقالة للدكتورة باسمة جمال - جريدة الأهالي

عن البهائيين:الرقم القومي بمنأي عن الأديان «2-2» - مقالة للدكتورة باسمة جمال - جريدة الأهالي
قلنا في المقال السابق لا يتصور أن يعمد القانون أو النظام العام في أي دولة إلي حرمان فئة من شعبها من وجودهم القانوني، بإسقاط حقهم في
الحصول علي أوراق الهوية التي يشترط القانون حيازتها لإنجاز المعاملات في مجالات الحياة.:
وطرح المقال ثلاثة اسئلة
أولاً: هل يوجد في مصر تشريع لحقوق الإنسان يحمي حرية اعتقاد الأفراد، ويكون ملزماً لأجهزة الدولة،
ومبطل لكل قرار مخالف لمقتضاه؟
ثانياً: هل يمكن أن يتعارض مفهوم النظام العام في مجتمع ديمقراطي مع حقوق الإنسان وحريته في
الاعتقاد؟
ثالثا: ما مدي أجهزة الدولة والقضاء في تحديد القواعد القانونية التي يتكون منها النظام العام؟

> > >
لقد دأبت الحكومة المصرية علي التأكيد للمجتمع الدولي أن نظامنا القانوني لا يقل عن دول العالم الأخري في حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتبارها جزءاً من نظامنا العام. وذلك ما تصرح به التقارير الدورية المتلاحقة إلي لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وحقوق الطفل. وهذا أيضاً ما تفصح عنه أحكام محكمتنا الدستورية العليا صراحة في الجزم بوجود رباط وثيق بين مواد الدستور الخاصة بالحقوق والحريات العامة، وبين النظام القانوني الدولي لحقوق الإنسان الذي شيدته الإرادة المشتركة لدول العالم.
وعلي هذا فالإجابة عن السؤال الأول بدون تردد تتلخص في أن المبادئ التي أرساها الدستور، والقواعد القانونية التي تحكم حرية الاعتقاد لا تجيز فرض الدين علي المواطنين، ولا إرغامهم علي الإفصاح عما يدينون به. كما لا تجيز الإخلال بالمساواة بين المصريين ولا التمييز بينهم في المعاملة لأسباب ترجع إلي اختيارهم الديني، وهذه القواعد القانونية ملزمة لأجهزة الدولة، وهي صلب النظام العام في مصر.
النظام العام
أما الجواب علي السؤال الثاني، فيتلخص في أن النظام العام - كما رأينا - لا يتعرض للحقوق والحريات الفردية إلاّ إذا خالفت قاعدة قانونية ملزمة تحمي مصلحة عامة للمجتمع. وما دامت القوانين السارية في مصر - كما رأينا أيضاً - لا تجيز إجبار المصريين علي الإيمان بالدين، ولا تجيز إجبار من شاء الإيمان بدين أن يكون من عدة معينة، فلا وجود لتنازع بين القانون وحرية الإنسان في الاعتقاد، ومن ثم لا مجال للتذرع بالنظام العام للوصول إلي غايات لا تجيزها القوانين السارية، وتفتح باباً للتمييز بين المواطنين باختلاف انتمائهم الديني علي نحو يرسخ قدم الطائفية في مصر.
إن الزعم بأن ذكر الديانة في بطاقات الرقم القومي ضروري لتحديد القانون الواجب التطبيق في مجال الأحوال الشخصية لا يزيد عن حجة واهية لا تدخل في اعتبارها القرون المديدة التي مارس المصريون خلالها مختلف حقوقهم وواجباتهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية بدون بطاقات تحمل ذكراً لما يدينون به. فإن كان قد طرأ حقاً تغيير جوهري في سلوك المصريين ينم عن تلاعب بقوانين الأحوال الشخصية، وضعف وازعهم الديني، فإن مجرد ذكر الدين في بطاقة لا يصلح علاجاً لهذا المرض، وربما قد حان الوقت للمشرع المصري أن يواجه مسئوليته في إعداد تشريع موحد للأحوال الشخصية يتمشي مع الطابع المدني للدولة وتطور الظروف الاجتماعية.
أما محاولة البعض التلويح بالمادة الثانية من الدستور فمرفوض مقدماً حيث إن المادة الثانية من الدستور لا إلزام فيها بأن يكون لكل مصري دين، ولا أن يكون المصريون كلهم علي شرع واحد أو ثلاثة. وهي فضلاً عن ذلك أوردت مبادئ الشريعة كمصدر للقانون، لا علي أنها قانون قابل للتطبيق أو القياس عليه، وعلي ذلك تظل مبادئ الشريعة خارج نطاق التطبيق إلي أن يستوحي منها المشرع قانوناً ساري المفعول. والاستناد إليها في مواضع تطبيق القانون خطأ جسيم ينم عن عبث بحقوق المواطنين، وتجاوز من أجهزة الدولة والقضاء لدورهما في تطبيق القانون.
وحبذا لو التزمت الجهات الدينية بالامتناع عن ممارسة ضغوطهما علي سلطات الدولة المدنية، وعدم الخلط بين عقائدهم الدينية والقواعد القانونية الملزمة، والجدير بهم حصر جهودهم في خدمة القيم الجليلة التي جاءت بها جميع الأديان، بعيداً عن الشحناء فالأديان كلها فيوضات إلهية مقدسة.
وهكذا ننتهي في الإجابة علي السؤال الثاني أولاً: إلي عدم وجود أي تنازع بين القوانين السارية في مصر وبين حرية كل مصري في اختيار معتقداته، وحقه في التعبير عن معتقده أو عدم الإفصاح عنه، وثانيا: إلي أن القوانين التي تقرر حرية الاعتقاد هي قوانين ملزمة بكل من طبيعتها وعبارتها. بمعني أن القواعد القانونية المتعلقة بحرية الاعتقاد، والمساواة، وعدم التمييز هي قواعد واجبة الاتباع جبراً، وثالثا: إلي أن النظام العام هو ما يستخلص من مجموع هذه القواعد القانونية الملزمة.
سلطة القضاء
بقي السؤال الأخير عن مدي سلطة القضاء وأجهزة الدولة في تحديد عناصر النظام العام. والمسلّم به أن دورهما في تحديد القواعد القانونية التي تحمي المصالح الحيوية للمجتمع متوقف علي عدم إفصاح القانون عن إلزام المواطنين باتباع مضمونه علي وجه الجبر والقسر. ولكن متي أفصح الشارع عن إرادته بفرض القواعد التي سنها جبراً وقسراً، ينعدم دورهما في التقدير، ويكون لزاماً عليهما اعتبار هذه النصوص ضمن هيكل النظام العام. فلا وجود لسلطة طليقة في تكوين تصورها الخاص للنظام العام، أو فرض قيمها الخاصة علي المجتمع، بل واجب القضاء وسلطات الدولة أن تستخلص النظام العام من روح القوانين السارية في مجموعها وقت تطبيق القانون. ولا يكفي في هذا الخصوص مجرد الإشارة إلي النظام العام لتبرير القرارات الإداريه، بل من الواجب عند الاستناد إلي النظام العام بيان القواعد القانونية التي تحمي مصلحة جوهرية للمجتمع علي وجه الإلزام، وتحديد وجه التنازع بينها وبين الحقوق الخاصة التي يراد إبطالها أوصرف النظر عنها، وإلاّ كان الحكم أو القرار الإداري معيباً.
الوضع الحالي
والنتيجة النهائية التي نخرج بها من كل ذلك أن موقف مصلحة الأحوال المدنية من ذكر الديانة في بطاقات الرقم القومي والحكم الذي أيد موقفها لم يلتزما بالأصول القانونية في تفسير القانون، ومفهوم النظام العام، وأن نتيجة هذا الخطأ أدت إلي حرمان البهائيين بوجه خاص من حقهم في حرية الاعتقاد، وحرمانهم من الحصول علي بطاقات الرقم القومي، ووضعهم في صراع وجداني بين ضرورات الحياة والولاء والإخلاص لمعتقداتهم. إن في إكراه المواطنين علي النفاق امتهان لكرامتهم لا تجيزه القيم الإنسانية الشريفة التي تبدأ باحترام الإنسان لنفسه.
ويقدم لنا وضع البهائيين مثالاً فذاً لما يمكن أن يصل إليه عدم حياد أجهزة الدولة وقضاءها في المسائل الدينية، ويدعونا إلي السؤال عن المصلحة العامة للمجتمع المصري التي تتحقق بتعذيب البهائيين وإذلالهم حتي ينكروا في رياء ظاهر حقيقة إيمانهم؟ وما هي القواعد القانونية في نظامنا التي تبرر هذا التعذيب والإذلال؟ ولا نكاد نتبين الدواعي التي تدفع حكومتنا وقضاءنا لاتخاذ مواقف مضادة للمصلحة الحقيقية لمجتمعنا وفي اتجاه معاكس لمسيرة بقية البشر، الذين مافتئوا يوسعون من دائرة حرية الاعتقاد، ويحررون الدولة من التزمت الديني. لذا يحدونا الأمل أن يبادر المهتمون بشئون هذا الوطن إلي العدول عن هذا الموقف، واتخاذ تدابير من شأنها احترام حرية الاعتقاد إما بحذف الديانة من بيانات الرقم القومي وغيره من الأوراق الثبوتية، أو بجعلها اختيارية لمن يريدون الإفصاح عن انتمائهم الديني، ووضع معايير تضمن أن اعتناق الدين صادر عن رضا لا تشوبه ضغوط اجتماعية أو مصالح عابرة. بذلك تستفتح أرض الكنانة عهداً تنمو فيه ثقافة حقوق الإنسان، ويحمي فيه القانون والنظام العام الكرامة الآدمية والوحدة الوطنية القريبتان إلي قلب كل مصري.
وإلي أن يقدم المسئولون حلاً لمشكلتنا فلا مناص لنا مع قدوم النظام الجديد من الرضوخ للعيش بلا شهادات ميلاد، وبلا أوراق ثبوتية، وبلا تعليم، وبلا عمل، وبلا زواج، وبلا بيع أو شراء، وبلا مأوي، وبلا أمن، فنسأل الله أن يمدنا بالصبر علي هذا البلاء الجديد
ادخل على موقع الجريدة

No comments: