Friday, January 11, 2008

البهائية في الرؤية القرآنية - مقال بجريدة الأهالي


كتب الاستاذ عماد طه فى عموده ص 9 بجريدة الاهالى التى صدرت امس الاربعاء 9 يناير 2008م ردا على مانشرته الجريدة الاسبوع الماضى فى ملفها الجميل عن البهائيين :




أشعر بفزع كلما استمعت أو عاينت إقصاء أو تهميشا لغير المسلمين في مجتمعاتنا العربية باسم الإسلام!، لأن ذلك أمر لا يأتي إلا من أشخاص أو حكومات تعيش في مغارات سحيقة حفرتها تاريخيا عقول قاصرة وسياسات قبلية مغرضة لم تتصل بحقيقة وجوهر الروح القرآنية في تدبيج احترامها للكينونة الإنسانية في العموم.
وكذلك هذه الممارسات تكشف عن غياب الوعي بمفردات العصر ومتغيراته الهيكلية في هذا السياق فإننا بعد قراءة ملف البهائية المنشور بـ «الأهالي» العدد الفائت 2/1، كظمت غيظي علي مجموعة مفارقات دستورية وشرعية لا إجابة لها إلا العنت وسوء الفهم، فعلي الرغم من النص الدستوري المصري في مادته الثانية، بأن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، غير أنك تلحظ في التطبيق ثمة تناقضات دستورية فيما يتعلق بالمواطنة - حقوقا وواجبات - كأصل في العلاقات المجتمعية، وهو ما قرره الدستور ذاته في مادته الأولي!!، وهو الأمر الذي كشفته المعاملة غير اللائقة - شرعا وقانونا - مع مواطنين مصريين اختاروا لأنفسهم العقيدة البهائية دينا روحيا، مع التزامهم بواجباتهم نحو وطنهم تنمية واستقرارا واحتراما، فاعترضت الحكومة علي الاعتراف القانوني بحقهم في إثبات ديانتهم في الأوراق الرسمية للدولة! فحكمت بذلك عليهم بالموت المدني رغم أنفاسهم المترددة والمكرسة لخدمة البلد، وادعت الحكومة أن هذه الإجراءات إنما هي تنفيذ لتعاليم القرآن الذي لا يعترف إلا بالأديان السماوية الثلاثة! وقام علي ذلك القانون!، والحق أن احترام القرآن للإنسان كجنس قد بلغ الغاية في السمو، فالله - سبحانه وتعالي - الذي وضع فيه الطبيعة المزدوجة «في الإنسان قبس من نور الله وغلاف من طين الأرض» من الخير والشر، قد أعطاه ملكة الاختيار بإرادة حرة لتحديد الفكرة التي تنبعث من قناعاته الشخصية ليتشكل علي ضوئها نمط سلوكه المجتمعي في إطار التعايش السلمي الإنساني مع رفاقه في الأرض.
ونحن هنا لسنا في مقام تفكيك البنية المعرفية للديانة البهائية - كما يسميها أصحابها - والتي علمنا من أهلها أن غايتهم تخفيف الصراعات بين أتباع كل الأديان ليسود السلام العالم، وعلي الرغم من رأي الأستاذ العقاد وهو من هو - المستنكر لهذه الفلسفة البهائية - حيث شبهها بمن ذهبت إليه الألوان المستخدمة في النقوش تشتكي إليه تعددها وافتراقها في صنوف شتي فهذا أحمر وذاك أسود.. إلخ، فقام الرجل صاحب مثل هذه الفلسفة بوضع كل الألوان في إناء واحد ليذيب الفوارق بينهم في ظنه!!!، إلا أن الإنصاف العقلي والكوني والقرآني يقتضينا حتمية الاعتراف بالحق البهائي في الوجود الإنساني، قال تعالي في سورة الحج «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصاري، والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله علي كل شيء شهيد» (آية 17) ولا شك أنك تري هذا الاعتراف الإلهي في القرآن بحتمية التعددية الدينية، وتري دلالة جعل الخالق تبارك اسمه فصل الخطاب بينهم مكانه يوم القيامة، وهو الأمر الذي يوحي في التحليل القانوني بحق الجميع مهما كان معتقده في الحياة المدنية الآمنة ما كان مسالما لوطنه وإخوانه في الملل والنحل الأخري، بل إن حق التعايش السلمي قد طال حتي الذين لا دين لهم البتة سماويا كان أم أرضيا وهم المجوس وعبّاد النجوم! وقد ورد عن النبي محمد - صلي الله عليه وسلم - أنه قال في المعاملة الإيجابية بحق من لا دين سماويا له «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» وهو ما ينبغي علي الحكومة بهيئاتها الدستورية والتنفيذية مراعاته في الحالة التي معنا، بأن تعترف بالديانة البهائية وإثباتها رسميا لأهلها - رغم اختلافنا معهم جذريا - وأن تستن فيهم سنتها مع الديانات السماوية الثلاث إعمالا للمادة الثانية والأولي من الدستور، وفي النهاية فإنه إذا كانت المشكلة لدي كثير من أبناء الإسلام - أفرادا وحكومات - في اختلافهم العقائدي والسياسي، أن لهم أفهاما في كتاب الله وسنة رسوله لابد من محاربتها وتجليتها وإهالة التراب عليها، فإنه علي المثقفين الوطنيين والمستنيرين دينيا الذين ينشدون الخير والصلاح لهذا البلد، أن يتوافقوا لتفعيل المواطنة - ليس علي الطريقة اللبنانية - ولكن وفق ما ارتأته الشريعة الإسلامية السمحة ومواثيق الدساتير المدنية للدول الحديثة، علي ألا يكون للدولة نموذج وحيد للتدين يراد له التعميم علي باقي طبقات المجتمع وفئاته، ثم الأهم أن يسعي الجميع لإيجاد مناخ فكري وسياسي يستطيع فيه إخوة الوطن أن يتحمل بعضهم بعضا بأريحية.
ودعم الاجتهاد الفكري والسياسي المغذي لتعريف أعم وأدق للمواطنة يرضي عنه وبه الجميع، بشرط أن نؤطر ذلك قانونيا
ادخل على رابط جريدة الاهالى

No comments: